ما الخيط الناظم بين عينة أعلام كبار (أبو حنيفة، التوحيدي، ابن بطوطة، ابن رشد، ابن خلدون) تجمعهم أواصر اللغة العربية كلغة فكر وثقافة وتعبير، وتفرقهم، — فضلًا عن أزمنتهم — مرافق اهتماماتهم (الفقه، الأدب الفلسفي، الرحلة، الفلسفة المفسرةُ المؤولة، التاريخ المنظَّر)، مع أن ثلاثة منهم مارسوا أيضًا خطة القضاء المالكي؟ إننا مع الثقافة في تاريخ الإسلام (أو الإسلام الثقافي) نكون إجمالًا في أجواء وسياقات ذات طبائع ووظائف مغايرة للإسلام السياسي، إذ يغلب عليها التوجه النقدي وإعمال الفكر المعمَّقِ النيّر وتوخي الإبداع الرافعِ المطور، بعيدًا عن بداوة الفكر، ذهنيةً وحساسيةً وإدراكًا. وذلك ما نطمح إلى تبيانه في هذا الكتاب، وأيضًا من خلال نصوص نترجمها لبعض الفلاسفة الأوروبيين الكبار من مصف كانط وهيجل ونيتشه، إضافة إلى دارسين وقفوا عند الإسلام الثقافي، ليس من باب الإعجاب والتنويه حصريًّا، وإنما أساسًا بالتحليل وحسن الإدراك وحسّ الإنصاف…