کان کارل روشن ذو الستة عشر ربيعا، الذي أبعده والداه المسكينان إلى أمريكا، لأن خادمة أغوته وأنجبت منه طفلا، واقفا على سطح السفينة، التي تباطأت سرعتها وهي تدخل ميناء نيويورك، فرأى أن تمثال إلهة الحرية، الذي سبق أن تابعه بنظره منذ مدة، وكأن أشعة الشمس قد اشتدت فجأة في إضاءته، وكأن ذراع التمثال ذات السيف قد ارتفعت عاليا في اللحظات الأخيرة، فيما تلفها ریح طلقة. من الممكن أن تقوم هذه الرواية بالذات بفتح طريق جديد لفهم کافکا، وهو طريق الإنسانية البسيطة الحانية، وأن تبدأ الروايتان العظيمتان (المحاكمة والقلعة) بالتأثير، انطلاقاً من هنا ومن ذاتهما ودون أي تفسير. هذا ويتضح لي من الرسائل والمقالات النقدية التي تصلني بأن آثار کافکا في فرادتها وسموها المهيب سوف تفهم وتحب دائما أكثر. ماكس برود في رواية المفقود يصف کافکا بدقة وفي إسهاب عالم العمل في العصر الحديث، هذا العالم الذي يطحن كل شيء ويحوله إلى غبار، ولا يسمح فيه بفترات استراحة، لا يسمح فيه سوی بتعاقب أيدي العمل. هذه الرواية من أكثر الروايات العالمية التي تكشف المجتمع الصناعي الحديث بسداد بصيرة وبعد نظر وتنبؤ.